أخباراستثمار
أخر الأخبار

3 أفكار تعيد تشكيل القرن القادم للرأسمالية

احتفال مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" بأول 100 عام لها يمزج بين قيمها التي لا تقدر بثمن وتلك سريعة الزوال

تحتفل مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” (The Harvard Business Review) بعيد ميلادها المائة من خلال إصدارها لكتاب ضخم يضم أكثر مقالاتها تأثيراً وابتكاراً بالإضافة إلى مجموعة إلكترونية من مقاطع الفيديو، والرسوم البيانية، والمقالات عبر الإنترنت.

النشأة والمآل

تأسست مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” بعد 14 عاماً من المؤسسة الأم “كلية هارفارد للأعمال”، لتوفير قدر من الثقل الأكاديمي للحقل المعرفي الناشئ. وواجه مجال المعرفة الجديد هذا الكثير من السخرية من نخبة “براهمة بوسطن” التي أدارت “هارفارد” في تلك الأيام لافتقاره إلى الصرامة الأكاديمية بالإضافة إلى طابعه الاجتماعي. كان والاس بريت دونهام، عميد “كلية هارفارد للأعمال” من عام 1919 إلى عام 1942، يأمل في أن تعالج المجلة إحدى هذه الشكاوى من خلال المبادرة في إنتاج “نظرية أعمال” قائمة على بحث دقيق وقادرة على تعليم رجال الأعمال الناشئين الحكم السليم. وقد كتب في العدد الافتتاحي أنه بدون مثل هذه النظرية، ستكون ممارسة الأعمال “غير منهجية وعشوائية ومقامرة مثيرة للشفقة بالنسبة للكثير من الناس”.

نجحت فكرة دونهام بدرجة تفوق أحلام أي شخص. وأطلقت مقالات مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” أفكاراً إدارية بمليارات الدولارات، مثل إعادة هندسة إدارة الأصول أو الإدارة خفيفة الأصول، التي غيرت صناعات بأكملها. أما القلائل من نخبة “براهمة بوسطن” الذين ظلوا في “هارفارد”، فكانوا ينظرون من حجيراتهم الصغيرة في كلية إدارة الأعمال في الجانب الآخر من النهر ويصرّون أسنانهم حسداً. إن المجلة التي وصفها أحد محرريها ذات مرة بأنها مجلة يكتبها أشخاص لا يستطيعون الكتابة لأشخاص لا يستطيعون القراءة أصبحت الآن كتاباً مرجعياً للشركات الأمريكية.

هذا هو السبب في أن المُجلّد الحالي مخيب للآمال. إذ تطرح مقدمته المختصرة بعض النقاط المثيرة للاهتمام – لا سيما أن تركيز المجلة قد تحول من الجوانب الملموسة للإدارة، مثل كيفية تخصيص الموارد المالية أو تنظيم الإنتاج، إلى الموضوعات غير الملموسة مثل كيفية تحقيق أقصى استفادة من العاملين لديك أو كيفية جذب عملائك. لكنه فشل في معالجة أي من الأسئلة الصعبة.

تتضمن المجموعة بعض المقالات الرائعة التي من الجيد أن تكون موجودة في مكان واحد (اثنتان من المقالات المفضلة لدي هي المقالات التي كانت على جانبي غلاف المجموعة، إحداها لبيتر دراكر عن “إدارة الذات”، والثانية لغاري هامل وسي.كيه.براهالاد عن “المقصد الاستراتيجي”). لكنها تحتوي أيضاً على بعض الثغرات التي لا يمكن تفسيرها. فكيف يمكنك إصدار مجموعة من المقالات الأكثر إثارة وإبداعاً في مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” دون تضمين مقال “كسوف الشركات العامة” لمايكل جنسن، الذي هو بمثابة إنجاز فكري ذي نتيجة إيجابية رائعة تضع تعريفاً لحقبة كاملة؟

بشكل عام، المجموعة غزيرة بشكل مثير للسخرية بالانشغالات الحالية (مثل الأصالة) مع قليل من معالجة اهتمامات الأمس (العولمة وكذلك الاستثمار المباشر). يتحاشى الكتاب التسلسل الزمني دون تبنيه أي بديل موضوعي يمكنني استنباطه.

أما المُلحقات فهي أكثر تنوعاً من ناحية الجودة. طلبت “هارفارد بزنس ريفيو” من بعض كبار المفكرين التكهن بما هو قادم في بعض الموضوعات الكبيرة. كان بعض ما قالوه مثيراً للاهتمام (رام شارام حول مستقبل المنظمات)؛ وكان البعض تافه فحسب (ماركوس باكنغهام حول شكل “الوظيفة الجيدة”). حيث وصلت المجموعة إلى أدنى مستوى لها في المقال الذي يتعلق بمستقبل الإدارة.

مستقبل الإدارة

سألت “هارفارد بزنس ريفيو” “فريقاً من الخبراء العالميين” عن الشكل الذي ستبدو عليه الإدارة في المائة عام القادمة. كانت الإجابة التي جاءت من كل الخبراء متطابقة تقريباً: ستصبح الإدارة أكثر لطفاً وأقل تحكماً وسيطرة. فتقول سات آي ونغ من “كلية إدارة الأعمال النرويجية” إن الإدارة ستتمحور حول “التعاطف”، بينما يرى فريدريك فريري من “كلية الأعمال التابعة للكلية العليا للتجارة في باريس” أن الإدارة سوف/ يجب أن “تنسى فن الحرب وتركز بدلاً من ذلك على فن الإغواء”. وبدورها تقول راشيل سبيفي، رئيسة فريق “ستاي آند ثرايف” (Stay & Thrive) في “غوغل”، إن المستقبل سيتمحور حول “إنشاء نهج إدارة مباشر وشفاف ومتعاطف”.

هذه ثرثرة فارغة! وأشك في أن “نهج التعاطف أولاً” الذي يهيمن على كليات إدارة الأعمال اليوم سيصمد خلال السنوات الخمس المقبلة على حاله، ناهيك عن الخمسين أو المائة القادمة، وإلا سيصبح متحجراً جداً بحيث لا أحد خارج زمرة صغيرة سيصغي إليه. ينصب التركيز اليوم على الإدماج والتعاطف من خلال مزيج غريب من صعود السوق لفترة طويلة من ناحية وصدمة الانقسامات المجتمعية التي استغلتها ووسعت نطاقها رئاسة ترمب.

سيتحول التركيز بشكل كبير في المستقبل مع تحول الاهتمامات المستجدة، لا سيما تحول التنوع إلى بيروقراطية، وتتكيف الشركات بشكل يائس مع تصدع الاقتصاد العالمي، وصعود آسيا، والانخفاض طويل الأجل في الإنتاجية.

سيكون أمراً فظاً بالنسبة لي أن أكون قاسياً للغاية بشأن تنبؤات فريق خبراء “هارفارد بزنس ريفيو” دون تقديم بعض التنبؤات البديلة الخاصة بي (ومعهم رأسي – على الأقل مجازياً – لأي شخص يريد قطعها). أعتقد أن حياة قطاع الأعمال خلال العقود القادمة ستهيمن عليها خمسة اتجاهات كبرى ستعيد تشكيل الإدارة بشكل كبير كما فعلت الحروب العالمية، سواء كانت ساخنة أو باردة، أو اختراع الكمبيوتر.

 حرب روسيا و اوكرانيا

فتحت حرب روسيا و اوكرانيا حقبة جديدة في شؤون الأعمال، ليس فقط لأنه أجبر الشركات على الرد على الحرب الروسية ، ولكن أيضاً لأنه أجبرها على التنبه لطموحات الصين الجيواستراتيجية. سيتجرأ الرئيس شي جين بينغ أكثر إذا أصبح رئيساً مدى الحياة عند انعقاد المؤتمر الوطني لـ”الحزب الشيوعي الصيني”، كما هو متوقع على نطاق واسع.

ستشتد المنافسة بين الصين والغرب على الموارد، بدءاً من الغذاء والأسماك والماء إلى المعادن النادرة، مع تحول العالم إلى طاقة البطارية واستمرار الحرب في أوكرانيا في تهديد إمدادات الحبوب.

حتى الآن، جاءت معظم المبادرات الضخمة من الحكومات، لا سيما من حكومة الولايات المتحدة. أصدر الرئيس جو بايدن ” قانون الرقائق” لتقليل الاعتماد على أشباه الموصلات الصينية. بينما أشادت وزيرة الخزانة جانيت يلين بنهج “دعم الأصدقاء”. لا تزال الشركات تلعب دور اللحاق بالركب – إنشاء سلاسل توريد جديدة متأخرة في الهند أو فيتنام لتكملة سلاسلها الحالية في الصين على سبيل المثال.

من المؤكد أن الشركات ستصبح أكثر استباقية لأنها تتأقلم مع عالم جديد يكون فيه الإنفاق العسكري محركاً قوياً بشكل متزايد في الاقتصاد العالمي وفي عالم يمثل فيه الصراع المحتمل خطراً دائماً. سيحول عدد متزايد من الشركات الناشئة تركيزه من السلع الاستهلاكية إلى الإمدادات العسكرية. وستحذو شركات التكنولوجيا المتقدمة حذو شركة “بالانتير تكنولوجيز” (Palantir Technologies) وتتحدى قوة شركات مثل “لوكهيد مارتن” (Lockheed Martin) و”جنرال ديناميكس” (General Dynamics) التي ولدت قبل العصر الرقمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى