الأرز في مصر محصول استراتيجي لمواجهة تحديات الأمن الغذائي
الأرز يتكيف مع التغيرات المناخية ويحقق إنتاجية قياسية

يعد تحقيق الأمن الغذائي أحد الأهداف الرئيسية لتحقيق التنمية الزراعية الشاملة، باعتباره من القضايا الملحة التي تواجه معظم دول العالم، وبصفة خاصة الدول النامية مثل مصر، في ظل الطلب المتزايد على الغذاء نتيجة الزيادة السكانية المضطردة وتنامي معدلات الاستهلاك. هذا الواقع أدى إلى اتساع الفجوة الغذائية بسبب الفرق بين معدلات النمو المرتفعة في الاستهلاك والمعدلات المحدودة للنمو في الإنتاج الغذائي.
وتحتل محاصيل الحبوب موقعًا استراتيجيًا في قطاع الزراعة، باعتبارها الغذاء الرئيسي للإنسان ومصدرًا أساسيًا للطاقة، حيث ينفق الفرد المصري أكثر من 60% من دخله على الغذاء، مما يجعلها عاملًا حاسمًا في تحقيق الأمن الغذائي. ويُعتبر الأرز من أهم محاصيل الحبوب في مصر بعد القمح، ويحظى بمكانة رئيسية في غذاء الشعب المصري.
ويعد الأرز غذاء رئيسيًا لما يقرب من نصف سكان العالم، لما يتمتع به من قيمة غذائية عالية وسعر منخفض، حيث يستهلك البشر حوالي 95% من الإنتاج العالمي للأرز، بينما تتغذى الماشية والطيور على النسبة المتبقية (5%).
وتُزرع محاصيل الأرز أساسًا في محافظات الوجه البحري مثل كفر الشيخ، الدقهلية، الشرقية، البحيرة، دمياط، الغربية، بورسعيد، الإسماعيلية، والإسكندرية، حيث تشتهر هذه المحافظات بملاءمة أراضيها وظروفها المناخية لزراعة الأرز.
ويُعد الأرز أحد المحاصيل الزراعية الاستراتيجية القادرة على التكيف مع التغيرات المناخية، بالإضافة إلى تحقيقه ربحية عالية لكل من الفلاح والدولة. وقد ساهمت جهود مركز البحوث الزراعية بشكل محوري في تحسين إنتاجية المحصول، وترشيد استهلاك المياه بما يتماشى مع الخطط القومية للحفاظ على الموارد الطبيعية.
وصرّح الدكتور بسيوني زايد، أستاذ الأرز بمركز البحوث الزراعية، بأن موسم الأرز الماضي حقق نتائج اقتصادية وإنتاجية مبهرة، مؤكدًا أن الأرز أثبت ربحية مرتفعة للغاية رغم ارتفاع درجات الحرارة خلال ذروة موسم النمو، حيث تم تسجيل متوسط درجة حرارة بلغ 39.8 مئوية، بينما حقق الفدان إنتاجية وصلت إلى 3.6 طن، وهو من أعلى المعدلات العالمية.
وأضاف زايد أن المساحات المستهدفة لزراعة الأرز هذا الموسم تبلغ حوالي مليون و74 ألف فدان، موزعة بين 150 ألف فدان في الأراضي المتأثرة بالملوحة، و200 ألف فدان في مناطق الزراعة الجافة، إلى جانب 724 ألف فدان في الأراضي التقليدية، مؤكدًا أن اختيار المساحات يأتي بالتوافق مع خطط الدولة لترشيد المياه.
وأوضح زايد أن الباحثين طوروا أصناف أرز جديدة تتحمل الجفاف والملوحة وتستهلك كميات مياه أقل، مشيرًا إلى أن المقنن المائي للأرز بات قريبًا جدًا من محاصيل صيفية أخرى مثل الذرة.
وأشار إلى أن المعاهد البحثية أنتجت حوالي 1000 طن من تقاوي الأرز المعتمدة للموسم الحالي، والتي تشمل أصناف 101 و106 و104 و108، بالإضافة إلى صنف “جيزة 177″، وجميعها أصناف عالية الإنتاجية وتناسب مختلف الظروف الزراعية.
وخصّ زايد بالذكر صنف “جيزة 183″، واصفًا إياه بأنه يمثل طفرة حقيقية بمرونته العالية وإمكانية زراعته طوال شهر مايو، مما يمنح المزارعين خيارات أوسع في التخطيط الزراعي.
وتطرق زايد إلى تردد بعض المزارعين في اعتماد الزراعة المباشرة بالبذور الجافة خوفًا من مشكلات الحشائش، لكنه شدد على أن الالتزام بالتوصيات الزراعية الحديثة كفيل بتجاوز هذه التحديات. وأكد أن الزراعة المباشرة تحقق مزايا متعددة عند استخدام أصناف مناسبة مثل “183” و”179″، بفضل سرعة الإنبات والنمو السريع، مما يقلل من فرص نمو الحشائش.
وشدد زايد على أهمية الالتزام بالتوصيات الفنية الخاصة بكل صنف لتحقيق أعلى إنتاجية ممكنة مع ترشيد استهلاك المياه، وأوضح أن الحقول الإرشادية التي زُرعت العام الماضي لعبت دورًا مهمًا في نقل الخبرات العملية إلى المزارعين، مشيرًا إلى أنه سيتم التوسع في إنشاء هذه الحقول خلال الموسم الحالي لتعزيز المعرفة الزراعية ونشر التكنولوجيا بين الفلاحين.



