وليد رضوان يكتب: قانون الإيجار القديم بين الواقع والمأمول
أزمة القوانين الاستثنائية في العلاقة بين المالك والمستأجر

تعاني مصر منذ عقود من مشكلة مزمنة استعصت حلولها على مجالس برلمانية ، والتي تتلخص فى ثبات بعض القوانين القديمة التى اصبحت غير صالحة و فقدت صلاحيتها منذ زمان غير قريب .
تلك القوانين الإستثنائية التى تنظم العلاقة بين المالك والمستأجر صدرت فى أوخر سبعينيات القرن الماضى ، وهي قوانين، رقم 136 لسنة 1981 والقانون رقم 47 لسنة 1977 .
وأود أن أشير إلى نقطة هامة في القانون المدني الذى صدر عام 1948 ، حيث نظم العلاقة بين المالك والمستأجر ، بصورة عادلة تماماً ، في مبدأ “العقد شريعة المتعاقدين” ، وهو الأساس الذي يحكم العلاقة بين طرفي أي عقد بما في ذلك عقد الإيجار .
تشريعات استثنائية منذ نصف قرن
كما ترك القانون المدنى للمالك والمستأجر ، حرية تقدير القيمة الإيجارية، وحرية تحديد مدة الايجار ، واعتبر مدة العقد ركنا من اركان عقود الايجارات ، فلا يسقيم العقد المؤبد ويعتبر باطلا .
وفي العقود الأخيرة من القرن الماضي، صدرت تشريعات استثنائية عطلت احكام القانون المدني، ومبدأ سلطان الارادة ، حيث تدخل المُشرع بوضع قيود على المالك للسيطرة على مشكلات اجتماعية واقتصادية كانت قائمة فى تلك الحقبة التى عانت منها البلاد من الحروب المتوالية التى خاضتها مصر، وما نجم عنها من تهجير ونزوح لسكان مدن القناة إلى محافظات الجمهورية ،وخاصةالقاهرةالكبرى
والاسكندرية .
كما شهدت مصر ايضا خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي تغيرات اقتصادية وسياسية واسعة ، أثرت في وضع الإسكان في مصر وأسعار الإيجارات؛ عقب حركة تأميم واسعة ونقل ملكية العديد من العقارات إلى الدولة، وإعادة توجيه الموارد نحو الإسكان الشعبي والخدمات الاجتماعية كما أدت الزيادة السكانية إلى تعاظم الطلب على الوحدات السكنية وضعف المعروض منها .
قوانين استثنائية لمصلحة المستأجر
تلك الظروف الاستثنائية دعت المشرع الى التدخل باصدار قوانين استثنائية لتغليب مصلحة المستأجر على مصلحة المالك، ومنعه من استغلال أزمة الإسكان، من خلال وضع اسباب محددة لاخلاء المستأجر ليس من بينها انتهاء مدة الايجار ، وامتداد العقد لكل من له صلة بالمستأجر بصورة غريبة ، كالمساكنة والأقارب وشريك المستأجر وغيرهم من الفئات، وتحديد القيمة الايجارية وربطها بنسبة محددة من ثمن الارض ، وتجريم تقاضي خلو الرجل ، وغيرها من القواعد الاستثنائية .
بمرور الزمن اصبحت تلك القوانين الاستثنائية غير عادلة .
وسببت تلك القوانين مشكلتين فى غاية الخطورة ، وهما توريث عقد الإيجار دون حد زمني محدد، ومشكلة ثبات القيمة الايجارية، رغم أن تغيير القوانين البالية وتعديلها اختصاص أصيل للمجلس النيابية المنتخبة ، إلا أن الواقع العملي أثبت أن هذا الدور غير فعال ، إلا إذا كان هناك محفز خارجي يدفع المجالس النيابية إلى الإضطلاع بدورها فى شأن مراقبة مدى صلاحية القوانين القديمة.
والمراقب لتطور هذا الملف يمكنه ان يلاحظ ان المحكمة الدستورية العليا ” كانت هى المحرك الأساسي لهذا الملف نحو تحقيق العدالة، حيث اصدرت العديد من الأحكام التى قضت فيها بعدم دستورية فقرة تلو الاخرى فى مواد القانون 136 لسنة 1981 والقانون رقم 47 لسنة 1977 ، وذلك لخلق نوع من التوازن فى العلاقة بين المالك والمستأجر.
ومن ابرز تلك الاحكام الدستورية فى هذا الشأن الاحكام التى حددت فئة من الورثة دون غيرهم ليحق لهم الإمتداد ولمرة واحدة .
عدم دستورية قانون الإيجار القديم
كما أصدرت المحكمة الدستورية العليا في نوفمبر 2024 حكمًا تاريخيًا ، كان بمثابة الزلزال الذى هز سلطان قوانين الايجارات الاستثنائية البالية ، حيث قضت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين الأولى والثانية في القانون رقم 36 لسنة 1981 المعروف بقانون الإيجار القديم ، فيما تضمنته المادتين من ثبات القيم الإيجارية السنوية للأماكن المرخص إقامتها لأغراض سكنية،
ودعت المحكمة الدستورية فى حكمها مجلس النواب إلى اصدار التشريعات اللازمة لتعديل هاتين المادتين قبل انتهاء الفصل التشريعي الحالي ، وقد استندت المحكمة فى حيثياتها إلى أن ثبات القيم الإيجارية عند لحظة من الزمان ثباتًا لا يزايله مضي عقود على التاريخ الذي تحددت فيه، ولا تؤثر فيه زيادة معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية يشكل عدوانًا على قيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية حيث حدد القانون سقفًا لزيادة الإيجار السنوي عند 7% من قيمة الأرض عند الترخيص، والمباني طبقًا للتكلفة الفعلية وقت البناء.
زيادة الأجرة السنوية للشقق السكنية
ومن استقراء حيثيات الحكم، أكدت المحكمة أن النصين المطعون عليهما قد حظرا زيادة الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون على 7٪ من قيمة الأرض عند الترخيص، والمباني طبقًا للتكلفة الفعلية وقت البناء، وهو ما مؤداه ثبات القيمة الإيجارية عند لحظة من الزمان ثباتًا لا يزايله مضى عقود على التاريخ الذي تحددت فيه، ولا تؤثر فيه زيادة معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية، واضمحلال عائد استثمار الأعيان المؤجرة بما يدنيه من العدم، وهو ما يشكل عدوانًا على قيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية.
ومن ثم قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية هذين النصين ، غير انها أعملت الرخصة المخولة لها بمقتضى المادة (49) من قانونها وحددت اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب تاريخًا لإعمال أثر حكمها؛ وذلك لحاجة المشرع إلى مدة زمنية كافية ليختار بين البدائل لوضع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن الخاضعة للقانون رقم 136 لسنة 1981.
دور البرلمان في ضبط قيمة الإيجار
يترقب الملاك والمستأجرين عن كثب التشريع المزمع صدوره من مجلس النواب بشأن البدائل لوضع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن الخاضعة للقانون رقم 136 لسنة 1981.
حيث يأمل الملاك فى ان يتضمن التشريع قواعد من شأنها تحقيق العدالة الاقتصادية ، بأن تزيد القيمة الايجارية لتصبح معادلة تماما لاجرة المثل فى الوقت الحالى ، وازالة ونسف الفجوة بين قيمة ايجار الوحدة الخاضعة للقوانين القديمة وبين نظائرها فى ظل القانون المدني الحالى، ويتمنى ان يتم تحديد القيمة الإيجارية بناءً على القيمة السوقية للوحدة.
على سبيل المثال، إذا كانت قيمة الشقة مليون جنيه، قد يُحدد الإيجار بنسبة معينة من هذه القيم، غير ان هذه الطريقة تصادفها عقبة عملية غير هينة ، وهي كيفية تقييم قيمة الوحدة ؟ ومن الذى سيقوم بهذا التقييم ، وهل تملك الدولة الادوات والوسائل للقيام بهذا الدور ؟
هل القانون الجديد يطرد المستأجر؟
في الحقيقة الأمل يحدو بفئة كبيرة منهم أن يتناول التشريع المنتظر تحديد مدة محددة انتقالية تنتهي بعدها كافة العقود المحررة فى ظل القوانين الاستثنائية ويطرد المستأجر، وهو ما نرى انه امل صعب المنال.
حيث اننا نعتقد بان المشرع لن يصدر الا تعديلا طفيفا على القانون 136 لسنة 1981 يتضمن زيادة القيمة الايجارية الحالية بنسبة محددة من القيمة الايجارية الحالية ، وزيادة دورية بنسبة محددة ، فى الوقت نفسه يأمل المستأجرين ان يكون التشريع متوازنا ، وان تكون الزيادة المقررة طفيفة لا تمسهم بسوء .
ختاماً أتمنى أن يكون هناك آلية تشريعية لمراجعة كافة القوانين الاستثنائية، بل كافة التشريعات القديمة ، وإلغاء أو تعديل ما يكون غير مناسب للعصر الحالي، كما أرجو أن يتدخل المشرع لانهاء القوانين الاستثنائية التى تنظم علاقة المالك بالمستأجر بشكل جزرى، بشكل يضمن للمالك حرية التصرف فى ثروته العقارية ، ويحفظ للمستأجر كرامته وتيسير سبل حصوله على مسكن بديل مدعوم من الدولة، على غرار ما تقوم به الدولة فى شأن مستأجري العقارات منزوعة الملكية.